العالم يغوص في حرب باردة جديدة وخطيرة 2.0

رأي الدكتور جوزيف جيرسون

الكاتب هو رئيس حملة السلام ونزع السلاح والأمن المشت

نيويورك (IDN) - لقد بات من الضروري أن يدين العالم الغزو الروسي لأوكرانيا ويعارض تهديدات بوتين المتكررة باللجوء إلى هجمات نووية تسبب إبادة جماعية إذا تدخل الغرب بشكل مباشر في أوكرانيا.

فعلى الرغم من أن بوتين أبلغ الرئيس ماكرون بأنه ينوي الاستيلاء على أوكرانيا بأكملها تلبية لمظاهرات بلاده الحالية، يجب علينا الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وسحب جميع القوات الأجنبية من أوكرانيا وبدء المفاوضات.

كان لدى بوتين والأمة الروسية عدد من المخاوف الأمنية المشروعة: انتهاك الناتو لميثاق باريس والوثيقة التأسيسية بين الناتو وروسيا، والتي كانت تضمن عدم سعي أي دولة من دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى تعزيز أمنها على حساب دولة أخرى، ووجود القوات الأمريكية والألمانية وقوات الناتو الأخرى على حدود روسيا، وإقامة الدفاعات الصاروخية لصد الضربة النووية الأولى المحتملة في رومانيا وبولندا.

لكن من الواضح أن طموحات بوتين القومية والعرقية لإقامة قوة عظمى قد حفزت رغبته في الغزو الذي لم يكن مبررًا على الإطلاق. ومع محاصرة القوات الروسية لأوكرانيا من ثلاثة محاور، كان لدى بوتين النفوذ الدبلوماسي لضمان حل مخاوفه الأمنية.

في مناقشات المسار الثاني التي شملت كبار المسؤولين والمستشارين الروس والأوروبيين والأمريكيين السابقين، تم تطوير مسار دبلوماسي للخروج من عاصفة الحرب الوشيكة.

وشمل ذلك البدء بتعليق عضويات جديدة في الناتو، والبناء على اتفاقيات مينسك 2 لإنشاء دولة أوكرانية محايدة وفيدرالية، وتحديث وتجديد معاهدات القوات التقليدية والصواريخ النووية متوسطة المدى، وفرض قيود على التدريبات العسكرية الاستفزازية، واستئناف محادثات "الاستقرار الاستراتيجي"، وتحديد جميع المفاوضات لتمديد معاهدة ستارت الجديدة.

حتى السفير الأمريكي السابق في موسكو، مايكل ماكفول، والذي كانت كراهيته لبوتين واضحة منذ فترة طويلة، كتب في مجلة فورين أفيرز أن الوقت قد حان للتفاوض مع موسكو بشأن صفقة كبرى جديدة، وهي مفاوضات هلسنكي 2.0.

ومع ذلك، شن بوتين غزوه الوحشي.

 أزمة الصواريخ الكوبية ولكن بالعرض البطيء

كان بإمكان الولايات المتحدة وحلف الناتو فعل المزيد لمنع الحرب. نظرًا للمعارضة الفرنسية والألمانية لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، كان على بايدن وبلينكين إدراك أنه من المفترض أن يغلقا "الباب المفتوح" أمام حلف ناتو جديد، وذلك بطريقة تحفظ ماء الوجه من خلال الدعوة لتعليق العضويات الجديدة لمدة 15 عامًا قابلة للتمديد.

فبعد أن فشلا في الضغط على الحكومة الأوكرانية للوفاء بالجزء الخاص بها من اتفاقية مينسك 2، كان عليهما أن يعيدا تأكيد التزام الولايات المتحدة بالاتفاقية التي تنص على الهدف الإضافي المتمثل في استخدام تلك الاتفاقية للتفاوض بشأن إنشاء دولة أوكرانية محايدة وفيدرالية لمعالجة مخاوف موسكو الأمنية بطرق من شأنها أن تحافظ على استقلال أوكرانيا وديمقراطيتها.

الآن يقتل الأوكرانيون والروس بعضهم البعض. وتتعرض المدن الأوكرانية للدمار. وقد هرب ما لا يقل عن مليوني أوكراني من ديارهم. وانغمس العالم في حرب باردة ثانية جديدة متزايدة الخطورة، توصف أيضًا بالعصر الجليدي الجديد.

ومع احتمال وقوع الحوادث وسوء التقدير الذي قد يؤدي إلى إطلاق حرب نووية أو سيبرانية عظمى، وتحويل الموارد المحدودة من استخدامها في تلبية الاحتياجات البشرية الأساسية وحالة الطوارئ المناخية إلى استخدامها في تمويل سباقات التسلح الجديدة وعسكرة مجتمعاتنا، وإغراق البشرية في عصر من الظلمات.

تهديدات بوتين النووية خطيرة للغاية. لقد وصف العقوبات الاقتصادية الهائلة والعشوائية، التي تدمر الاقتصاد الروسي وتؤدي إلى اصطفاف الروس خلف زعيمهم الوطني وتحاصر البلاد، بأنها عمل حربي.

هذا يقربنا من حافة الحرب بين روسيا وحلف الناتو، خاصة إذا خضع بايدن للضغوط المتزايدة عليه لفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا.  مع قيام طائرات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بإسقاط الطائرات الروسية، فإن وقوع حرب كارثية - من المحتمل جدًا أن تكون نووية - سيصبح أمرًا حتميًا.بصرف النظر عن فرض منطقة الحظر، قد تؤدي الحوادث والأخطاء وسوء التقدير أثناء خوض الحرب القائمة الآن إلى ما لا يمكن تصوره. 

إن تسليم أوكرانيا للأسلحة النووية التي ورثتها عن الاتحاد السوفيتي مقابل ضمانات مذكرة بودابست لوحدة أراضيها وسيادتها، يستدعي بالفعل قيام الولايات المتحدة بنشر أسلحة نووية في تايوان، ويحفز اليابان وكوريا الجنوبية لأن تصبحا قوتين نوويتين، كما أنها دفعت الرئيس زيلينسكي إلى توجيه تهديداته غير الرشيدة في مؤتمر ميونيخ للأمن بأنه في الوقت المناسب قد تضطر أوكرانيا مرة أخرى إلى أن تصبح قوة نووية.

في مواجهة ما وصفه المحللون في كل من الولايات المتحدة وروسيا بأنه إعادة لأزمة الصواريخ الكوبية بالعرض البطيء، يجب على العالم أن يتحد ليقول "لا"! للأسلحة النووية والحرب النووية التي لا يمكن تجاهلها، والمطالبة كذلك بوقف إطلاق النار.  إذا كان لهذه الأزمة جانب إيجابي - رغم أنه قد يكون ضعيفًا - فهو أن التهديدات والأخطار النووية بدأت في تنبيه البشرية من جديد إلى الحاجة الملحة لإلغاء الأسلحة النووية.

وسط هذه الحرب الدموية والتهديد النووي، هناك أيضًا مفارقات.  فكما أن الغزو الذي يشنه بوتين وتهديداته النووية يُعتبر أمرًا مخزيًا، إلا أنه يحاكي عقودًا، بل وحتى قرونًا، من الهيمنة الإمبريالية الأمريكية والتهديدات النووية.

إن سعي روسيا لإنشاء منطقة عازلة ضد التدخل الأجنبي لتكون مجالًا لنفوذها هو صورة طبق الأصل عن عقيدة مونرو الأمريكية التي تعود إلى قرون، والتي تصر على أن نصف الكرة الغربي هو مجال لنفوذ الولايات المتحدة التي أطاحت فيها مرارًا بحكومات غير متعاونة معها وهددت بشن حرب نووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية.

بحسب توثيقات دانيال إلسبيرغ وغيره من المحللين، فقد استعد رؤساء الولايات المتحدة خلال العديد من الأزمات والحروب الدولية، لخوض حروب نووية وهددوا بشنها بشكل متكرر لتخويف خصومنا أو لضمان عدم تقديم أي طرف أية مساعدة للدول التي صممت الولايات المتحدة على مهاجمتها.

ومن الأمثلة على ذلك أزمة إيران عام 1946، وترومان وأيزنهاور خلال الحرب الكورية، وجونسون ونيكسون خلال حرب فيتنام، وبوش الأب والابن في حروبهما في العراق، وتهديد ترامب "بالنار والغضب" ضد كوريا الشمالية.

كما بيّن لنا والت كيلي، الفنان الذي ابتكر رسوم بوجو الكرتونية، أن هذه الأزمة تعلمنا "أننا التقينا بعدونا وعدونا هو نحن."  لقد علَّمنا الأشخاص الذين تأثروا بفعل القصف الذري علي هيروشيما وناجازاكي "الهيباكوشا" منذ فترة طويلة أن "البشر والأسلحة النووية لا يمكن أن يتعايشوا".

وكما قال مالكوم إكس، فإن غطرسة الولايات المتحدة وإمبرياليتها - بما في ذلك التهديدات المتكررة واستعدادها لشن حروب نووية قد جعل السحر ينقلب على الساحر فنحن جميعًا مهددون بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وتهديداتها النووية.

هناك حاجة ماسّة إلى الحكمة لضمان أنه مع استمرار استعار حمى الحرب، لن يضغط أحد بشدة على العقدة الغوردية التي يمكن أن تشعل فتيل حرب نووية.  إذا افترضنا أننا سننجو من هذه الحرب، مثل كل الحروب الأخرى، فيجب وضع حد لها بالمفاوضات الدبلوماسية.

يجب أن نصر على أن الاتفاقيات تنص على الاستقلال والسيادة الأوكرانية وأن وعد التسعينيات بالأمن المشترك يحل محل الاندفاع المحموم نحو عصر جليدي كارثي في القرن الحادي والعشرين.

علينا جميعًا أن نتجرد من أوهامنا، كما فعلنا عندما ربحنا في معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية، وحملة التجميد النووي، ومعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (INF)، وأن نفعل كل ما في وسعنا لدفع القوى العظمى المتوحشة إلى نزع الأسلحة النووية، وإقرار اتفاقيات جديدة لضبط الأسلحة، وتمهيد المسار نحو القضاء على هذه الأسلحة الفتاكة صونًا للحياة على هذا الكوكب. [IDN-InDepthNews - 9 مارس 2022]

مصدر الصورة: جريدة لوس أنجلس تايمز